أسلوب وأسلوب
د/ يحيي حقي
من اجل التقريب بالتشبيه: لا من أجل التندر – إليك نموذجا— من اختراعي –طبعا– لمطلع قصص عديده يقرؤها علي اصدقائي من الشباب.
" كان محمد أفندي يدلف في الحارة وهو حامل بطيخه في حضنه، وكان جوربه متدليا فوق حذائه، ولو كان تدلي أكثر لظهرت خروقه المستوره، وكان قد تسلم مرتبه قبل خروجه من الديوان، لأنه غاضبا لأن المدير كان قد أنزره بخصم يومين من مرتبه؛ لأنه كان قد تأخر في الحضور يوم الخناقه مع زوجته وكان " ... إلي آخره.
تتكرر "كان" و "كانو" فما بالك إذا جاءت سيرة نون النسوة – أكثر من (١٥) مره في (٤) أسطر . ينقلب القارئ إلي دجاجه لما كأكأه، لا تنقطع من حنجلة حول الطبق الفارغ انتظارا لموعد الأكل. فكأنها مربوطه إليه بحبل يقيد قدرتها علي الحركه، ومع ذلك فليست المسأله مسألة تعقيد لفظي، فلو كانت لهانت.
لقد خوفونا في المدارس من بعبع التعقيد اللفظي، كما في قول امرئ القيس "مستشزرات إلي العلا"، وهو يصف جدائل فرسه علي رقبته، وقوله–"وليس قرب قبر حرب قبر " – ذلك لأن العنايه كلها كانت منصبة علي الألفاظ لا المعاني ، وقالو لنا : إن المعاني ملقاة في الطريق، أما الألفاظ فإنها تدور داخل أصداف لابد من التقاطها ولو تنقطع الأنفاس – هذا مع أني أسير في الطرقات منذ أيام المدارس فلم أعثر –حتي الآن – علي أي معني ملقي في الطريق .. بل إن الألفاظ هي –علي العكس –كثيرة..
وكم من كاتب استبدل بكلمه محددة لازمه كلمة عائمك مقلقه تافهة؛ لا لشئ إلا مخافة الوقوع في هذا التعقيد اللفظي.
ولما كبرنا قل خوفنا من بعبع التعقيد اللفظي ؛ لأن الاهتمام بالمعاني غلب الإهتمام بالألفاظ. وأعترف لك أنني لا أجد الآن أي عيب في " وليس قرب قبر حرب قبر" بل أكاد احس في تدافع قافاته وباءاته وراءاته دقات طبلة الغضب والحزن في مأتم القبيله طالبة الثأر.
إذن فليست المسألة – في النموزج الذي اوردته لك عن مطلع القصص– مسألة تعقيد لفظي، فلو كانت لهانت بل ربما جاء تكرار "كان" أكثر من ١٥ مره في ٤ أسطر مثالا لملائمه اللفظ، إذا أريد به أن يوحي بمعني لا يؤديه سواه. ولكن المسأله هي مسألة أسلوب السرد الذي تكتب به القصة.
المطلوب من كاتب القصة أن يفعل نا يفعله صاحب السفيرة عزيزة. فليستخدم الفعل في صيغة الماضي في بدء الكلام عن الحدث، بلا حاجة إلي كان أو كانوا. بدلا من "كان محمد أفندي يسير " يقول: " سار محمد أفندي –إلي آخره.
إن جرَّ الماضي الي الحاضر يبقي للحدث حرارته وتلقائيته وحركته، والقصه محتاجه الي ان تشبع فيها الحركة، بل يقولون إن بدءها بفعل يدل علي الحركه يخدمها فالجمله الفعليه بحسب هذا المنطق خير من الجملة الاسمية.
وقد حاول بعض الكتاب تقليد أسلوب الموال في القصه وقدمو الفاعل علي الفعل، ولكن نتائج هذا الاسلوب لم تتبين بعد ولم تستقر..
وأسلوب "كنت عندهم وجائت " الذي يلد " كان" بدون تحديد النسل –هو الذي أتاح للنموزج الذي اوردته لك علي كلكبة التتابع الزمني. بل قلبه رأسا علي عقب بلا مبرر فني، وأول الحوادث جاء في الآخر ، وآخر الحوادث حاء في الاول ، كأن الكاتب يسارع بذكر شئ كان قد سها عنه. وخير وسيلة للرجوع إلي الوراء هي وسيله المنولوج الداخلي. إننا حينئذ نصف تتابع ذكريات حوادث بالمقلوب.
تدريبات وأنشطة
(١) اقرأ الفقره التالية ثم أجب عن الأسئله التي تليها:
" كان محمد أفندي يدلف في الحارة وهو حامل بطيخه في حضنه، وكان جوربه متدليا فوق حذائه، ولو كان تدلي أكثر لظهرت خروقه".
(أ) أذكر مرادف "يدلف" وجمع "جوربه" في جملتين من تعبيرك.
(ب) ما رأيك في محمد أفندي كما رسمه المشهد السابق؟
(ج) صف محمد أفندي بوصف آخر من عندك.
(د) لماذا ذكر الكاتب بعض نماذج لمقدمات القصص؟
(٢) لماذا قلَّ التخوف من اللغه العربية عند الكاتب في كبره؟
(٣) يقدم يحيي حقي نصائح لكاتب القصة في الأدب العربي ، أذكرها .
(٤) تحدث الكاتب عن بعبع التعقيد اللفظي ... ، ناقش، نوضحا رأيك.
(٥) لخص أهم الفكر التي وردت في الدرس.
(٦) دلل الكاتب علي أن اللغك العربيه متطورة وطيِّعه.. وضح ذلك من خلال فهمك للدرس.
(٧) ابحث في المكتبة عن أسس كتابه القصة . ثم تخير إحدي القصص، وانتقدها في ضوء ما توصلت إليه.
(٨) اكتب قصه من خيالك مستفيدا بنصائح يحيي حقي.
(٩) ارجع الي الشبكه الدولية للمعلومات لتتعرف أهم رواد القصة، واكتب بحثا عنهم.